تخيلوا: جارتها تأتي متحمسة وكأنّها اكتشفت سرّ الكون، وتقول لها: «اسمعي يا بنتي، أنا وجدت الحل لكل مشاكلي مع زوجي! ذهبت إلى الشيخ فلان، كتب لي ورقة محبة، وصار زوجي خاتم بإصبعي، أحركه كما أريد، حتى صار يعمل لي شاي الصبح قبل ما أطلب!».
الجارة المسكينة تصدّق هذا الكلام، وتبدأ في الحلم بحياة هانئة مليئة بالطاعة العمياء، وكأنّها استلمت «ريموت كنترول» زوجها.
فتقرر أن تجرب، وتذهب إلى الشيخ المزعوم، الذي لا يعرف حتى قراءة الفاتحة بشكل صحيح، لكنه خبير في رسم خطوط عشوائية وكأنّها رسم بياني لرحلة طائرة فقدت مسارها!
تجلس أمامه وهو يفتح دفتره، ويبدأ في رسم طلاسم وأشكال هندسية وكأنّه يحضر لاختبار في مادة الجبر، ويقول لها: «هذه هي الورقة السحريّة، ضعيها تحت وسادتك وزوجك سيصبح كالعجينة بين يديك، ستقولين له: افعل هذا، وسيفعل، مثل ريموت التلفزيون تماماً!».
تعود إلى البيت مفعمة بالأمل، تضع الورقة تحت الوسادة وتنتظر النتيجة السحرية.
لكنها تُفاجأ أن الزوج لم يتحول إلى خاتم في إصبعها، بل ربما صارت حالته أسوأ! ينظر إلى الورقة وكأنها وصفة طبية غير مفهومة أو قائمة مشتريات من سوبرماركت غامض! وهنا تدرك – أو ربّما لا تدرك – أنّ المحبة لا تُكتب على أوراق مليئة بالخربشات.
المشكلة أنّ الكثير من النساء، مع الأسف، يعتقدن أنّ حجاب المحبة هذا هو الحل السحري لكلّ مشاكل الزواج، وكأنّ الحب يمكن أن يُباع في ورقة مكتوبة بخطوط عشوائية أو طلاسم لا يعرف معناها إلا الدجال.
والأكثر إثارة للضحك هو أنّهن يعتقدن أن الزوج سيصبح أسيرًا لهذه الورقة المسكينة، وكأنّها تحتوي على تعويذة تجعل منه روبوتًا مطيعًا يتبع الأوامر دون تفكير!في الحقيقة، المحبة ليست مجرد معادلة رياضية يُحلل فيها اسم الزوج واسم الزوجة ويُضاف إليهما بعض الحروف السحرية! بل هي تأتي من التفاهم، من الصدق، من الإخلاص. المحبة تُزرع بالمودة والرحمة، وليس في الأوراق التي تبدو وكأنّها جزء من واجب مدرسي نسيه طالب في الصف الأول.وتخيل معها، يوم الحساب، وهي تقف أمام الله، حاملة هذه الورقة السحرية.
تقول: يا رب، كنت أريد فقط المحبة! أوه، وهل الحب يأتي من ورقة؟ هل ظننت أنّ هذه الخربشات ستُرضي الله؟الحقيقة أنّ اللجوء إلى السحر والدجل ليس فقط أمرًا مخالفًا للشرع، بل هو أيضًا محاولة غير مجدية لتحسين العلاقات. العلاقة الزوجية تحتاج إلى الصبر، والاحترام، والجهد المتبادل.
لا يمكن أن تحل مشاكلك الزوجية بقطعة ورق قد تبدو كخريطة كنز غير مكتملة.وفي النهاية، يجب أن ندرك جميعًا أن الحب هو تلك اللغة التي تتحدث بها القلوب الصادقة، وليس تلك الطلاسم التي ترسم على أوراق قديمة.
الحبّ هو الصدق في القول والفعل، هو الاحترام والتفاهم، هو العطاء بلا حدود. فبدلاً من الركض خلف أوهام الدجالين، يجب أن نبحث عن الحلول في مكانها الصحيح: في قلوبنا، وفي علاقتنا بربّنا، وفي تعاملنا اليومي مع من نحب.
د.عبدالله العبدالله