لأنّ الحاضر يمزقنا كالسكين الذي يغور في اللحم الحي… كنا نجتمع في جلسات يملؤها دفء الأرواح، نروي القصص والطرائف، ونتعلم منها الرجولة والشهامة والمروءة. اليوم، تحولت تلك الجلسات إلى لقاءات صامتة، الكل مشغول بهاتفه، لا حديث ولا حكايات، كأننا موتى لا يعرفون الحياة إلا من خلف زجاج بارد.

الجار الذي كان كالأخ، نطرق بابه في الصباح ونلتقيه في المساء، أصبح خصمًا، نادرًا ما نتبادل التحية، وإن فعلنا، فتكون بلا دفء، كأن بيننا جداراً من الجفاء..

كانت صلة الأرحام كالنهر العذب الذي يروي القلوب، تربطنا ببعضنا بروابط من المحبة والاحترام. واليوم، صارت القطيعة هي العادة، وصار لقاء الأقارب أشبه بواجب ثقيل بالكاد نقوم به.

المروءة والشهامة؟ كانت أركان المجتمع، تتكئ عليها النفوس وتستظل بها القلوب.

واليوم؟ تراها تسقط تحت أقدام الأنانية، كأن الشهامة ماتت بلا رجعة.

شيوخ القبائل الذين لم يكن لديهم مال ولكن لديهم من الحكمة ما يكفي لقيادة جيل بأسره، أضحوا غائبين في زمن اعتلى فيه الدنيء عرش الدنيا، إلا من رحم ربي.

وأما المعلم، ذاك الذي كنا نراه سراجاً مضيئاً في ظلمة الجهل، فقد أضحى اليوم يطأ الشوارع ذليلاً، يسمع السباب في أذنيه، كأن العقول قد صارت تستكثر على نفسها النور.

فكيف لا نبكي على زمن مضى؟ كيف لا نكتوي بالحنين إلى أيام كانت لنا كالجنة المفقودة، والحاضر ما هو إلا جحيمٌ نتنفسه كل يوم؟

د.عبدالله العبدالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *