يقول الشاعر طرفة بن العبد:
ستُبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلًا
ويأتيك بالأخبارِ مَن لم تُزوِّدِ
حقًا، الأيام تحمل بين طياتها أسرارًا لم نكن ندركها، تُعري الوجوه وتفضح النوايا، وتُظهر ما كنا نظنه دفينًا في القلوب. كم من وجهٍ بدا لنا نقيًا، تبسمت له ثقةً، وكنا نحسبه من الصالحين، فإذا بزيفه يتجلى مع مرور الزمن.
كم من داعٍ رفع شعارات الصدق والحق، ملأ الدنيا كلامًا عن الفضيلة، ولكن قلبه خاوٍ من الإيمان، مشحونٌ بالمصالح. الأيام لا ترحم، تكشف الغطاء عن كل مخبوء، وتأتينا بأخبارٍ لم نحسب لها حسابًا، وتبين لنا أن الصديق الذي ظنناه رفيق الدرب كان مجرد عابر سبيل يبحث عن مصلحة.
وذاك الجار الذي أظهر الوداد، خان جيرته لأدنى منفعة. والقريب الذي كان يظهر المودة والمحبة، انقلب وجهه مع أول منعطف. الزمن لا يرحم، يظهر ما خفي من الطعنات، ويُبدد الوهم عن قلوبٍ ملؤها الغدر والخيانة.يا لها من لحظات قاسية حين نكتشف الحقيقة المرة، حين نجد أن من آمنا بهم باعوا الأمانة لأبخس الأثمان.
الأيام وحدها كفيلة بكشف زيف الأقنعة، وجلاء معادن النفوس. فلا تطمئن للظواهر، ولا تأمن للوجوه المبتسمة، فما في الصدور قد يكون أعظم مما نراه. الأيام تفضح، والعبرة لمن اعتبر.
د.عبدالله العبدالله