الواتس آب أصبح مسرحًا يوميًا للمواقف الطريفة والمبهمة في ذات الوقت. تتصل بأحدهم فيقول لك بكلّ جدية: «لست في البيت»، بينما هو جالس بكل راحة على السفنجة يشاهد الفيديوهات ويحتسي كوبًا من الشاي! وكأنّك لو قلت الحقيقة، ستفتح أبواب الجحيم!
لماذا لا تقول ببساطة: «أنا في البيت، لكن مشغول أو لا أستطيع استقبالك الآن»؟ ستوفر على نفسك الكثير من الحرج، وعلى الطرف الآخر كثيرًا من الإحراج.
ثم نأتي لحجة «الشبكة ضعيفة»، التي أصبحت الحل السحري لكلّ من يريد التهرب من الردّ على المكالمات أو الرسائل. الغريب أنّك تجد نفس الشخص بعد دقائق يشاهد الفيديوهات الطويلة بجودة عالية ويتفاعل على السوشيال ميديا دون أدنى مشكلة!
يبدو أنّ الشبكة تتآمر فقط ضد الردّ على الناس، أمّا الفيديوهات فلا مشكلة معها!وهناك تلك الفئة التي تشعر بالفخر الشديد بمهارة «النسخ واللصق»، ينسخ رسالة عادية جدًا، يضيف اسمه في النهاية، ويشعر وكأنه ألّف عملًا أدبيًا سيخلده التاريخ!
ولا تنسَ توقيع «مساء الورد» في النهاية، الذي يضيف على الرسالة لمسة فنية عبقرية.أمّا الرسائل الصباحية، فقد تحولت إلى طقس يومي يشارك فيه الجميع دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء قراءتها.
كل ما عليك هو إرسال «صباح الخير» أو «صباح الفل» للجميع، وينتهي الأمر. وكأنها مهمة عليك إنجازها لتجنب الشعور بالذنب!والمجموعات؟ آه، هذه القصة الأخرى. تحولت المجموعات إلى مكان لنقل المحتوى من مكان إلى آخر بدون أي تفكير أو إبداع.
قص ولصق، وقص ولصق، ولا أحد يتحدث عن شيء جديد أو يناقش بجدية. إنه مجرد تكرار للأفكار نفسها، وكأن الجميع اتفق على الركود الجماعي.والطريف أكثر، أن البعض يتعامل مع ميزة «متصل الآن» وكأنها مسألة سيادية خطيرة! يخفيها عن الجميع وكأنه شخصية مرموقة لا يجب لأحد أن يعرف متى يكون متصلًا!
حتى الأدعية لم تسلم من هذا «النسخ واللصق»! يصلني دعاء في إحدى المرات، وفي نهايته مكتوب: «اللهم سهل عليّ ولادتي»، وأنا جالس في بيتي ضاحكًا! فاتصلت بالمرسل وسألته: «هل قرأت ما أرسلته؟»، فقال بكل برود: «لم أقرأه». وكأن الدعاء أصبح مجرد تمرير نصوص بلا فهم أو تفكير!وهناك أيضًا من يرسل الأحاديث النبوية دون التحقق من صحتها أو معرفة سندها.
يرسل الحديث وكأنه قام بتأليف بحث فقهي عميق، في حين أنه ربما يكون قد نسخ الحديث من مجموعة أخرى دون أدنى اهتمام إذا كان صحيحًا أم موضوعًا.
في النهاية، يبدو أنّ الواتس آب قد تحوّل من وسيلة للتواصل إلى ساحة للتهرب، والشبكات «الضعيفة»، والنسخ واللصق، والروتين الممل، والإرسال العشوائي للأدعية والأحاديث.
ومع ذلك، لا يزال هناك أمل في إعادة الصدق، الإبداع، والاهتمام الحقيقي في استخدام هذه الوسيلة.
د.عبدالله العبدالله